حديثنا اليوم سيكون عن ظاهرة مميزة وحالة خاصة للأبجدية العربية والتي تستحق دراسة شاملة باعتبارها -على الأقل بالنسبة لي- أحد أهم مميزات ه...

الهمزة

حديثنا اليوم سيكون عن ظاهرة مميزة وحالة خاصة للأبجدية العربية والتي تستحق دراسة شاملة باعتبارها -على الأقل بالنسبة لي- أحد أهم مميزات هوية الأبجدية العربية، هي تلك الزائرة الصغيرة التي تحتاج دوما لمن يستضيفها في بيته ولكنها في بعض الأحيان تتجرأ للعيش وحيدة والتي تظهر في هذه الفقرة 10 مرات، لنرحب أعزائي بالهمزة تحت مشرحة البحث.

الهمزة

الهمزة او النبرة او القطعة (ء) هي رمز في الابجدية العربية يمثل أحد الاصوات التي تخرج من أقصى الحلق، وما يميز الهمزة هو أنها لا تظهر في موضع واحد بل تظهر في عدة مواضع منها منفصلة في الكلمة او تظهر على عدة حروف حسب موقعها في الكلمة وحسب الحركة التي تسبقها حيث إن كافة المواضع التي يمكن ان تظهر فيها في الابجدية العربية هي كالتالي: "أ إ ؤ ئ ء"، أما في الحروف المشتقة من الابجدية العربية فهي: "۽ ٲ هٔ ځ ‎ݬ ٶ ٷ ٸ ۓ‎ ࢡ ࢨ ٵ ٴ ٕ ـ‍ٔ‏" والتي يستخدمها البعض في زخرفة النصوص العربية.

الهمزة المقيدة: هي الهمزة التي تكون مقرونة بأحد حروف الأبجدية ولا تظهر إلا مرافقة له بغض النظر عن موقعها بالنسبة للحرف مثل (أؤئ).
الهمزة المستقلة: هي الهمزة التي تظهر وحيدة على السطر غير مرتبطة بأي حرف من حروف الأبجدية (ء).
الهمزة المستقلة معترف بها رسميا في نظام يونيكود وترميزها هو "U+0621" تحت إسم "ARABIC LETTER HAMZA".
وهذه بعض الأمثلة النصية على استخدام الهمزة والتي تظهر فيها كافة مواضع الهمزة في الابجدية العربية :
(أحمد) (إنسان) (سؤال) (ذئب) (ممتلئ) (صحراء).

الحرف التاسع والعشرون

جميعنا تعلمنا وخبرنا منذ الصغر أن الابجدية العربية تتكون من 28 حرفا هجائيا ولكن هذا العدد لم يحدد بالاجماع وذلك على اثر ظهور خلاف بين النحويين وعلماء اللغة حول اعتبار الهمزة حرفًا مستقلا من عدمه وذلك لانها تدخل في علاقة شائكة مع الألف والتي تعد حرفا مستقلا، وكان أساس الخلاف يدور حول الأصل فمن جهة ذهب البعض الى القول أن الالف هي الاصل ومن أشهر من قال بهذا الرأي المبرد والذي احتج بقوله:
"إن الهمزة ليس لها صورة، لأنها لا تثبت على صفة، فإنها تخفف تارة بالحذف وتارة بالقلب وتارة بالتليين."[1]
 والفريق الاول يرى أن عدد حروف الابجدية العربية هو ثمانية وعشرون حرفا، أما في الجهة الاخرى الفريق الذي يقول ان الابجدية العربية تتكون من تسعة وعشرين حرفا مشتملة على الهمزة والالف ومن أشهر أعلام هذا الرأي سيبويه الذي قال:

"أصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفاً : الهمزة , الألف , الهاء , العين" وعدها حتى آخرها حسب ترتيب مخارج الحروف.[2]
مدونة 29 حرف كمثال على حركات دعم
استقلال الهمزة كحرف
كما انه من الواجب التفريق وعدم الخلط بين الألف (ا) والهمزة (ء) وذلك باعتبارهما حرفين مستقلين ولكن اللبس يحدث بسبب العلاقة الشائكة بينهما حيث إن الأف (ا) تبقى ألفا ما لم يتم تحريكها فإذا تم تحريكها فانها تتحول تلقائيا الى الهمزة وهنا مفتاح العلاقة، والفكرة في اعتبار الهمزة حرفا مستقلا هي انه يقبل الحركات فبالإمكان نطق (صحراءِ) بالكسر في آخرها ولا يمكن نطق (مهاِ) بالكسر في آخرها، فمن يقول أن عدد حروف اللغة هو 28 حرفا فانه يعني ان الالف والهمزة حرف واحد يتغير لفظه عند تحريكه بينما من يقول ان عدد حروف اللغة هو 29 حرفا فانه يعني ان الالف حرف مستقل لا يقبل الحركات والهمزة حرف مستقل يقبل الحركات.

يدعم المعارضون لفكرة الـ29 حرفا رأيهم في عدم اعتبار الهمزة حرفا مستقلا بعدة أمور منها:
1- كون الهمزة الحرف الوحيد الذي لا يتواجد في اسمه، فمثلا حرف الـبـاء "ب" يتواجد في اسمه وكذلك حرف الـتـاء "ت" وباقي حروف الأبجدية العربية يتواجد فيها الحرف نفسه داخل اسمه ما عدا الهمزة "ء". 
2- كون الهمزة الحرف الوحيد الذي لا يتصل من الجهتين اليمنى واليسرى عندما يسبقه ويتقدمه حرف متصل، لأن حروف الأبجدية تقسم إلى قسمين، حرف يتصل من الجهتين بالكشيدة مثل الباء "ـبـ" وحرف يتصل من جهة اليمين فقط مثل الواو "ـوـ" ولكن الهمزة المستقلة شاذة عن هذه القاعدة بحيث أنها لا تتصل من أي جهة "ـ ء ـ".

ومن الآراء السديدة حول موضوع الحرف التاسع والعشرين هو رأي الكاتب فهد عامر الأحمدي الذي ذكره في مقال له في جريدة الرياض:
"وما يزيد ثقتي بهذا الرأي أن الخليل الفراهيدي نظم قاموسه الشهير "العين" على أساس وجود 29 حرفا وليس 28 .. ومع أنه أول قاموس في اللغة العربية إلا أن مشكلتنا الأزلية ظلت في عدم الاعتراف بالهمزة كحرف مستقل ومحاولة دمجها بالقوة مع الألف والياء والواو .. وهذا الاصرار على الدمج تسبب في تفاوت طرق كتابتها وشروط رسمها ومواقعها من الكلمة .. والنتيجة التي نحصدها اليوم أزمة إملائية مزمنة واختلاف في طرق كتابة الهمزة بين الأقطار العربية ناهيك عن ظهور خلل دائم في ترتيب الموسوعات والفهارس والوثائق المصنفة حسب الترتيب الأبجدي."[3]
واختلاف مواضع الهمزة بالفعل سبب أزمة في الموسوعات والفهارس وذلك لأن لكل موضع (أ إ ؤ ئ) ترميز خاص به في نظام يونيكود كما أن التشابه في الشكل بين الياء (ي) والهمزة على الالف المقصورة (ئ) أدى إلى جعل البحث عن رمز الهمزة على الالف المقصورة (ئ) في النصوص إلى إظهار نتائج تشمل الياء (ي) وكذلك الحال بالنسبة لكل من الهمزة على الالف (أ) والالف (ا) وأيضا الهمزة على الواو (ؤ) والواو (و) وهو ما يصعب البحث الكترونيا عن الهمزة المقيدة بالحروف.

حسب رأيي الشخصي فإني أرجح الرأي الذي يرى أن عدد حروف الابجدية العربية هو 29 حرفا مشتملةً على الهمزة وذلك لان الهمزة والالف صوتان مختلفان تمام الاختلاف فنطقك للالف في كلمة (ماء) يختلف اختلافا تاما عن نطقك للهمزة في نفس الكلمة، وإذا قلنا أن الحروف 28 حرفا فنحن نحتم استخدام رمز واحد للحرفين وهو رمز الالف (ا) وبذلك تصبح الكلمة (ماا) بدلا من (ماء) وهو ما يعد كارثة في اللغات الحديثة ولهذا ارى انه من منطلق اختلاف اللفظ يجب ان يستقل كل حرف منهما عن الآخر وبالتالي يختلف رسم كل منهما عن الآخر من باب اعطاء كل صوت حقه في رمز يمثله.

أصل وتاريخ رسم الهمزة

ظهر رسم الهمزة المستخدم حاليا على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي (718م - 789م) حيث انه قبل هذا كانت تشترك الهمزة وحروف العلة (ا و ي) في نفس الرسم والذي يحدد حسب موقع الهمزة في الكلمة وهذا واضح في المخطوطات القرآنية الاولى، ولاثبات هذا لنشاهد معًا هذه المخطوطة القرآنية التي قدر تاريخها بين عامي 568م الى 645م [4] أي انها من أقدم المخطوطات القرآنية (إن لم تكن أقدمها) والتي يظهر فيها النص القرآني التالي:
(... اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ ...) سورة الكهف:17-19
(... ةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْـ ...) سورة الكهف:28-29

نلاحظ بعد توضيح النص والكلمات المحددة بالدوائر الحمراء وإزالة ما حولها أن الهمزة بشكلها الحالي (ء) لا تظهر بل تمثل بالحروف الثالث (اوي) هذا اذا كانت الهمزة مقيدة، بينما كانت الهمزة لا تظهر أساسًا في حالة الاستقلال.

الفرق بين العين والهمزة في خطوط طباعية
مختلفة حيث إن الخطوط التقليدية تفرق بين
العين والهمزة في الرسم والحجم،  بينما
الخطوط الحديثة تفرق بينهما تقريبا
فقط في الحجم (لاحظ الخط الاخير حيث
الهمزة والعين لهما نفس الشكل تماما)
ولما أراد الخليل ان يضع رسما مستقلا للهمزة قام باشتقاق الرسم من شكل حرف العين (ع) والذي من الملاحظ أنه يشبه كثيرا رمز الهمزة (ء) الذي وضعه الخليل وبالذات العين في أول الكلمة (ﻋ) والتي من الملاحظ انه اذا تم وضع رمز العين في أول الكلمة على حرف الألف أو على نبرة (كرسي) أو الواو فإنه سيحل بشكل مثالي مكان الهمزة، مثلا: صحراﻋ، شيﻋ، ماﻋ.

والسؤال هنا لماذا اختار الخليل حرف العين بالتحديد ؟
بعد البحث تبين أن ذلك بسبب التعاقب والتبادل الصوتي بين حرفي الهمزة والعين أي قربهما من حيث المخرج وطريقة النطق وهذا التشابه الصوتي أدى الى تشابه الرسم بينهما وهو ما دعى الخليل إلى جعل الهمزة على شكل حرف العين، ومما يؤكد هذا الإدعاء قول سيبويه في ذلك:

"وأبدلوا من الهمزة العين لأّنها أشبه الحروف بالهمزة" [5]
وللتعمق أكثر في هذا الباب يمكن قراءة بحث الدكتور فؤاد رمضان محمد حمادة الذي فصل فيه تفصيلًا كاملًا حيث أثبت في ورقة بحثية شاملة العلاقة الكاملة بين الهمزة والعين في بحثه تحت اسم "أثر صوت الهمزة على إنشاء صورتها الكتابية عند الخليل بن أحمد".
والصورة التالية توضح الهمزة في بعض المخطوطات التاريخية بعد وضع الخليل لرمز الهمزة:


تفصيل في رسم الهمزة

ترسم الهمزة في الخطوط الطباعية التقليدية وفي رسم القرآن بشكل أدق كالمقطع العلوي من حرف العين في صورته المنفصلة (ع) أي أن نهايتها تتجه للاسفل بينما في الخطوط الطباعية الحديثة ترسم كحرف العين في بداية الجملة (ﻋ) كما هو موضع في الصورة التالية:

الفرق التفصيلي بين الهمزة والعين في الخطوط الطباعية التقليدية (خط Arail أنموذجا) يتمثل في الفروق الآتية الموضحة تحت الصورة:
1- العين في بدايتها تكون حادة بينما الهمزة بدايتها قطعة مستقيمة مقطوعة بزاوية 60 درجة.
2- الالتفاف في العين يمتد باستقامة أطول من الالتفاف في الهمزة الذي يمتد بشكل قصير ثم ينحني للأسفل.
3- الانحناء للأسفل يكون في العين أقصر منه في الهمزة حيث يكون طويلا.
4- الانحناء يكون متشابها في الحرفين من ناحية الحجم والطول والزاوية ما عدا أنه يكون ضيقا في حرف العين عند بدايته.
5- النهاية تكون متساوية في الحرفين من ناحية الحدة والزاوية.
6- الزاوية تكون متساوية في الحرفين (70 درجة).
7- الالتفاف يكون متساويا في الحرفين من ناحية الطول والزاوية.
8- القطع في نهاية الهمزة يكون بزاوية (20 درجة).
شعار موقع عين اليوم يظهر فيه رسم العين
في أول الكلمة ولكن يحدث سوء الفهم بحيث
يظن معظم الناس للوهلة الأولى بأنه همزة

ومن هنا نلاحظ الشبه الكبير بين حرف الهمزة وحرف العين وهو ما يعطي عذرا كافيا لصانعي الخطوط الطباعية الحديثة عند إعطائهم شكلا واحدا للحرفين.

ما يعجبني شخصيا في الهمزة هو كونها وحدة صغيرة تظهر ككيان شبه مستقل فهي ليست مقيدة تماما كالحركات وليست حرة تماما كحال الحروف فهي تارة تظهر مستقلة وتارة تظهر مقيدة وفي كلتى الحالتين تكون صغيرة الحجم مما يجعلها مميزة بين بقية الأحرف في حالة الاستقلال مثل الهمزة في كلمة (يتساءلون) وهو نفسه ما يجعلها تظهر كالزينة او الحركة الأنيقة في حالة التقيد مثل كلمة (أؤنبئكم).

الهمزة في بطن الكاف

"الموضع الوحيد الذي تظهر فيه الهمزة ولا تلفظ فيه هو حرف الكاف"

صورة انتشرت مؤخرًا على مواقع التواصل
الاجتماعي توضح الخطأ الذي يقع فيه أغلبية
الناس في ظنهم ان ما في داخل الكاف همزة
هذه الجملة التي قد تكون سمعتها أكثر من مرة والتي لا يوجد تبرير منطقي لها وذلك لأن الهمزة لا تظهر في موضع إلا وتلفظ فيه (أ إ ؤ ئ ء) إلا في حرف الكاف (ك) هذا ما كان يظنه الكثيرون قبل أن يظهر جدل منذ مدة في مواقع التواصل الإجتماعي حول ما يحمله حرف الكاف في بطنه (ك) هل هو همزة أم كاف صغيرة، وظهرت النتيجة الصادمة للناس ان ما في داخل الكاف هو فعليا كاف تسمى الكاف الزنادية أو الثعبانية أو المبسوطة (ڪ) وليس همزة (ء) كما هو معروف وكما تعلمنا في المدارس.

بعد التحري تم التأكد من أن ما في بطن الكاف هو كاف صغيرة وليس همزة وذلك يعود تاريخيًا إلى بداية تطوير الرسم القرآني خوفًا من اللحن بعد دخول الأعاجم في الإسلام حيث كان يوضع فوق بعض الحروف حرف من جنسها لتمييزها وبالتحديد حرف الكاف لتمييزه عن اللام التي تشبهه كثيرا في الرسم (ل) (ك) ولكن مع الزمن ومرور الوقت والشبه الكبير بين الكاف الصغيرة والهمزة وأيضا بسبب عدم وجود وسائل طباعية حديثة تحفظ هذه الفروق الدقيقة لذا تلاشت الكاف الصغيرة مع الوقت لتصبح همزة حتى أصبح اليوم وضع الهمزة بدلا من الكاف أمرًا عاديًا جدًا ومقبولًا لدى الكل عدى خبراء اللغة وخطاطي الخط العربي الذين يعرفون جيدًا مثل هذه التفصيلات.
شعار البنك العربي والذي يظهر فيه همزة
داخل حرف الكاف بدلا من كاف صغيرة
وهذا يعتبر خطًأ أبجديًا

وللتأكد من صحة الشكل في داخل الكاف فإننا نعرضه لاختبار صغير طريف والذي أسميه شخصيا اختبار "البير" وذلك عن طريق أخذ الرمز الموجود في بطن الكاف ووضعه في أول كلمة (ـبير) فإذا قرأت الكلمة (كبير) فهذا يعني أن الرمز صحيح وإذا قرأت (عبير) فهذا يعني أن الرمز خاطئ باعتباره همزة.

في الواقع لا بأس في الخطأ في هذا الامر في الكتابة اليدوية وذلك لأن الكاف في بطن الكاف تكون صغيرة جدا حيث ان وجود أي رمز يشبه الكاف (بغض النظر عن درجة الشبه) داخل الحرف يؤدي الغرض في تمييز الكاف عن اللام (وهو المطلوب أصلا من وجود الكاف الصغيرة) هذا بالإضافة إلى أن شكلها لن يختلف كثيرا عن الهمزة عند كتابتها بسرعة، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في كتابتها همزة في الخطوط الطباعية الحديثة وفي الشعارات الرسمية والهامة وهو الأمر الذي يحتاج إلى تصحيح.

همزة خط الرقعة التي تشبه الكاف الثعبانية
بشكل كبير
كما انه من الطريف في الأمر أن الخط المستخدم في مدونتي يظهر همزة في داخل الكاف وهو ما يعتبر خطأ كما ذكرت.

ربما كانت همزة الرقعة أحد أسباب هذا الخطأ الشائع حيث إن الهمزة في خط الرقعة تشبه كثيرًا الكاف الثعبانية وربما هذا الشبه دعى الخطاطين إلى الظن أن ما في داخل الكاف همزة.

تحديد حجم الهمزة

قبل أن ندخل في إدماج الهمزة في الخطوط الطباعية من الواجب علينا تحديد حجمها بالنسبة لبقية حروف الأبجدية وهو ما يحدد ارتباطًا بعدة أمور يجب فهمها.

الفرق بين الهمزة المتسقلة والمقيدة
من الواجب في الخطوط الطباعية اختلاف الحجم بين الهمزة المستقلة (ء) والهمزة المقيدة بالحروف (أؤئ) بحيث تكون دائمًا الهمزة المستقلة أكبر حجمًا من الهمزة المقيدة وذلك لأن كونها كلها بنفس الحجم يؤدي إلى اختلال في توازن النص وهذا المثال يوضح ذلك:
حيث ان جعلها بحجم المستقلة يؤدي إلى تداخل العناصر في النص وبالتالي يفسده بينما جعلها بحجم المقيدة يؤدي إلى عدم التوازن في أوزان العناصر في النص بحيث يصبح وزن الهمزة المستقلة أصغر من اللازم فتظهر كقزم صغير بين جبال الحروف وهذا ليس مقبولا لأن الهمزة المستقلة تعد حرفا ولذلك يجب ان تكون بحجم مقارب للحروف المستقلة بينما الهمزة المقيدة تعد بمنزلة الحركة (من حيثية أن هناك ما يحملها) لذا يجب أن تكون أصغر من الحروف العادية.

هناك بعض الخطوط الطباعية التي تعطي أحجام مختلفة للهمزة حسب الحرف الذي تقع عليه فمثلا تكون اصغر على الألف منها على الواو وبالطبع تكون المستقلة أكبرها حجما ولكن هذا غير محبب كثيرا لانه من الافضل الحفاظ على تناسق الخط من خلال جعل كل الهمزات المقيدة بنفس الحجم.

في الواقع ليس هناك نسبة ثابتة بين حجم الهمزة المستقلة والهمزة المقيدة ولبيان ذلك قمت ببحث سريع وعشوائي على مجموعة من الخطوط الطباعية الحديثة والتقليدية لمحاولة فهم النسبة في الحجم بين الهمزة المقيدة والمستقلة:
من الملاحظ أن النسبة تزيد في الخطوط الطباعية التقليدية وتقل في الخطوط الطباعية الحديثة، وبالإمكان عمل دراسة لمعرفة متوسط النسبة ولكن لا فائدة من ذلك لأنه بكل بساطة الحجم يقدر حسب نوع الخط ولكن من المفضل أن لا تقل النسبة عن 40% وأن لا تزيد عن 70% وعن نفسي أفضل نسبة 60% بشكل عام.

الفرق في الحجم بين العين والهمزة المستقلة
عند تصميم خط طباعي فإنه سيتم تحديد حجم الهمزة المقيدة بناءً على حجم الهمزة المستقلة وكذلك تحديد حجم الهمزة المستقلة بناءً على حجم العين وهذه الصورة توضع الفرق في الحجم بين العين والهمزة المستقلة في عينة عشوائية من الخطوط الطباعية التقليدية والحديثة
النسبة غير ثابتة بطيبعة الحال وذلك لأن الأمر عائد للمصمم وطبيعة الخط ولكن يفضل أن لا تقل النسبة عن 60% وأن لا تزيد عن 90% وعن نفسي أفضل نسبة 75%.
ومن الملاحظ أن معدل النسبة بين حجم العين والهمزة المستقلة أكبر بكثير من معدل النسبة بين حجم الهمزة المستقلة والهمزة المقيدة وهو برأيي ما يخل بتوازن الخطوط الطباعية حيث أُفضِلُ نسبة متساوية او متناسقة بين العين والهمزة المستقلة والهمزة المقيدة.

الهمزة في الخطوط الطباعية

بعد أن قمنا بتفصيل رسم الهمزة بشكل مستقل أصبح من الواجب وضعها في بيئتها وتوضيح كيفية تأقلمها في هذه البيئة عن طريق توضيح مكانها بين الحروف والنصوص المختلفة وبيان بعض الأمور والتفضيلات والحركات الفنية في عرضها.

ذنبة الهمزة
كما ذكرت مسبقا فإن الهمزة تمتلك نهاية (ذنبة) تتجه للأسفل بزاوية 45 درجة اقتداءً بالعين في الخطوط الطباعية التقليدية ولا يوجد مشكلة بهذه الذنبة عند ظهورها في الهمزة في نهاية الكلمة مثل "صحراء" ولكن الابقاء على هذه الزائدة في الهمزة في وسط الكلمة يخل بتوازنها وذلك لان اتجاه الزائدة استثنائي مقارنة بباقي الحروف وهذا ما يعطي وهما بنهاية الكلمة عند الهمزة وذلك لان العقل الباطن للمشاهد اعتاد على أن الحرف الذي يختلف اتجاهه بشكل استثنائي عن باقي الحروف هو حرف مستقل وواقع في نهاية الكلمة مثل (يسارع، فلاح) وبطبيعة الحال ستعطي الهمزة مع الزائدة في وسط الكلمة نفس التأثير المتمثل في إيهام المشاهد بنهاية الكلمة او الوقف عند الهمزة وهو ما يصعب قراءة الكلمة ويسبب الإزعاج لعين القارئ.
وتظهر مشكلة ذنبة الهمزة بشكل جلي عند التقائها مع حرف يعاكسها في الزاوية مثل التقاء الهمزة بالهاء في وسط الكلمة مثل كلمة "سفراءها" والتي يتضح فيها التعاكس في الزاوية بين الهمزة والهاء وايضا يتضح فيها الوقف او النهاية الوهمية المتمثلة بالخط الأحمر المتقطع، بينما الغاء الذنبة او جعلها صغيرة وقصيرة في الخطوط الطباعية الحديثة يجعلنا نتفادى مثل هذا الخطأ ويوحد تناسق وزوايا الحروف في الكلمة وهو ما يظهر بشكل واضح في المثال التالي:

الهمزة على نبرة (كرسي)

هناك بعض الحركات التي يمكن تطبيقها على الهمزة على الكرسي في وسط الكلمة (ـئـ) ومن أشهرها أن يزال الكرسي وتوضع الهمزة وحدها معلقة بدون كرسي في وسط الكلمة ويفيد استخدام هذه الحركة في تسهيل قراءة الكلمة بالذات في الكلمات المكتضة أو التي تتوزان عند حذف النبرة (الكرسي)، ويمكن كتابة هذه الطريقة بدمج كل من الكشيدة (ـ) والهمزة العلوية ( ٔ ) أي كتابة همزة ثم كتابة الهمزة العلوية بعدها مباشرة بلا مسافة مثل: (متكـٔين)، وتظهر هذه الحركة في الرسم الحديث للقرآن:
سورة الكهف:31

همزة الكرسي تحت السطر

من الحركات الأخرى وضع الهمزة في وسط الجملة (ـئـ) تحت الكرسي وليس فوقه عندما تكون محركة بالكسر وهذه الحركة قد تفيد في كلمات معينة لضمان توازنها او لملئ الفراغ فيها ولكن شخصيا لا افضل استعمالها الا في حالات خاصة جدا وذلك كونها تخل بتوازن الكلمة حيث تصنع فراغا فوق الكرسي وتضيف وزنا زائدا تحته بالإضافة إلى أنها تجعل قراءة الكلمة أصعب وبالذات على غير المختصين، وهذه الحركة لا تستخدم خارج نطاق رسم القرآن إلا نادرا، ويمكن كتابتها بدمج كل من الكشيدة (ـ) والهمزة السفلية ( ٕ ) مثل: (أولـٕك) بلا كرسي أو كتابتها بكرسي عن طريق الدمج بين الألف المقصورة (ى) والهمزة السفلية ( ٕ ) مثل: (أولىٕك) وكل ذلك عن طريق كتابة الحرف ثم الهمزة بلا مسافة، وتظهر هذه الطريقة بشكل واضح في الرسم القرآني الحديث:
سورة الكهف:31
الهمزة تحت السطر في كلمة "أولئك"
(لاحظ الاختلاف بين الهمزة وما في بطن الكاف)

الهمزة فوق الكاف المتوسطة

من الحركات الجميلة في الخطوط الطباعية التقليدية والتي تجد مخرجا لعدم تداخل همزة الألف مع الكاف في وسط الجملة "ـأكـ" هي وضع جسم الألف تحت الكاف ووضع همزة الألف فوق حرف الكاف وهو ما يعطي الكلمة فضلا عن تفادي مشكلة التداخل شكلاً جميلاً وحركة فنية.

الهمزة المقلوبة

من الحركات اللطيفة المستخدمة في بعض الخطوط الطباعية الحديثة فقط وهي قلب الهمزة تحت الألف (إ) بشكل عمودي بحيث تظهر بشكل أنيق ومتناسق مع الألف وانا اشجع على استخدام هذه الحركة لما لها من شكل جمالي وإضافة جميلة على الخط الطباعي واستغلال أفضل للفراغات والمساحة، يبدو أن الخط الذي بدأ هذه الخطوة هو "خط بكرة" لـباسكال زغبي:

وضع الهمزة بجانب الألف

من الحركات المستخدمة في بعض الخطوط الطباعية هي جعل الهمزة بالجانب العلوي للألف وليس فوقها مباشرة؛ وذلك تجنبا للمشاكل الطباعية التي يمكن أن تنشأ من تداخل همزة الألف (أ) مع السطر العلوي في النصوص التي تحتوي أكثر من سطر ويوجد رمز في نظام ترميز يونيكود يمثل هذه الحركة ( ٵ)، كما يمكن كتابتها عن طريق الدمج كتابة الهمزة العلوية ( ٔ ) مباشرة قبل الألف مثل: ( ٔاحمد)، وهذين مثالين على المشكلة وحلها:
لاحظ أنه لا مكان للهمزة فوق الألف لان وضعها فوق
الألف سيؤدي إلى إفساد النص
مثال حي على مشكلة تداخل الهمزة في
 السطر العلوي على موقع أدوبي

حفر الهمزة في الحروف

من الحركات التي يتخذها البعض هي حفر (نحت) الهمزة في داخل الحروف نفسها وذلك لعدة أسباب بعضها جمالي وبعضها اقتصادي (بالذات عندما يتعلق الأمر بصناعة اللوحات الإعلانية) ولكنني شخصيا لا أفضل اسخدامها ابدا تحت اي ظرف من الظروف وذلك لأنها بكل بساطة تفسد توازن النص وتجعل تناسق وشكل الحرف سيئين جدا، وهذا مثال عليها:


الهمزة في الخط الكوفي التربيعي

شعار موقع أخبارك نت
لاحظ أن ما في بطن الكاف همزة
قد نكون اعتدنا على قواعد محددة ومعينة في طريقة كتابة الهمزة وتحديد مواضعها ولكن يبدو أن الخط الكوفي التربيعي يمتلك وجهة لا تكتب إلا في حال الاستقلال أي أن تكون منفردة على السطر ولا تكتب عندما تكون مقيدة (أي مقرونة بالحروف مثل أ،ؤ،ئ)، وهذا يعود إلى سببين وهما:
نظر أخرى، بحيث أن الهمزة في الخط الكوفي المربع

1- أن الخط الكوفي المربع عند نشأته لم يكن يتضمن النقاط (وكما عرفنا سابقا أن الهمزة المقيدة كانت تعامل معاملة النقاط في المخطوطات القديمة) وبطبيعة الحال لم يكن يتضمن الهمزة أيضا.
2- أن رسم الهمزة فوق الحروف يخل بتوازن الخط الكوفي المربع وذلك لأن من قواعده وحدة عرض الخط (سُمكه)، ووضع الهمزة فوق الحرف سيجبر على كسر هذه القاعدة وعمل سُمك جديد للهمزة بما يتناسب مع النص بسبب صغر حجمها مقارنة بباقي الحروف.

ومن هذا المنطلق يمنع ظهور الهمزة المقيدة في الخط الكوفي المربع ولكن يسمح ظهور الهمزة المستقلة وذلك لان الهمزة المستقلة تظهر بنفس سُمك النص (أي كأنها حرف العين في بداية الجملة (عـ))، وهذا نموذج يوضح اشكال الهمزة المقيدة في الخط الكوفي المربع:

وهذه بعض محاولات ادماج الهمزة في الخط الكوفي المربع:
تصميم للمصمم : زرعان السعدي
تصميم المصمم : أحمد فرج
تصميم للمصممة: شيماء هيتو

الهمزة المموجة (الكشميرية)

الهمزة المموجة أو الهمزة الكشميرية (نسبة إلى الابجدية الكشميرية التي ظهرت في إقليم كشمير) وهي الهمزة الوحيدة ذات الشكل المختلف عن الهمزة الاصلية والمدرجة في نظام ترميز يونيكود والمستخدمة في عدة أبجديات مشتقة من العربية كالكشميرية وتشمل ثلاثة رموز وهي "ٟ ٲ ٳ" وتتميز الهمزة المموجة عن العادية في أن نهايتها تحمل ذيل مموج زائد والذي يشبه إلى حد كبير المدة في الألف الممدودة "آ"، وتظهر الهمزة المموجة بشكل أوضح من الهمزة العادية عند تصغير الخط الطباعي وهو ما يدعو البعض إلى استخدامها في النصوص في بعض الأحيان لتوضيح الهمزة في الكلمة.


رموز مشابهة للهمزة

هناك العديد من الرموز المشابهة للهمزة سواء في الابجدية العربية والأبجديات المشتقة من جهة أو في الأبجديات الأجنبية من جهة أخرى:

رقم 6 الفارسي
أقرب الأشكال للهمزة بعد العين والهمزة المموجة هو رقم ستة الفارسي (۶) والذي يشبه الهمزة ولكن بذيل طويل جدا مقارنة بذيل الهمزة العادية، تتركب الستة الفارسية بشكل عام من قطعتين القطعة الأولى هي مقطع طويل كالقاعدة تحمل فوقها القطعة الثانية وهذا التفصيل في رسمها:

العين المقطوعة
واحدة من الأشكال التي تظهر فيها العين مشابه للهمزة بشكل كبير وهي العين المقطوعة (غير الكاملة) وتظهر في حالة الانفصال أو في نهاية الكلمة وقد يلتبس على الشخص أحيانا التفريق بينها وبين الهمزة، وكما أنها تشبه الهمزة فهي قريبة إلى حد كبير من رقم 6 الفارسي، وأنا شخصيا لا افضلها ولا افضل استخدامها إلا في حالات نادرة جداً، وهذه بعض النماذج للعين المقطوعة في الخطوط الحديثة:



الهمزة في الشعارات

ألهمت الهمزة العديد من المؤسسات لاتخاذها اسما لها مثل موقع همزة التعليمي، كما أن الهمزة تظهر كأساس في العديد من الشعارات العربية والعربية-اللاتينية وهذه بعض الأمثلة على شعارات الهمزة أساسها:
شعارات أساسها الهمزة
في الختام أتمنى أن يتذكر القارئ العزيز في كل مرة يرى فيها همزة سواء كانت مقيدة ام مستقلة كبيرة أم صغيرة استقلاليتها وقصتها التاريخية وأن يعاملها برفق ولطف كما يعامل أي حرف آخر ويعطيها حقوقها فهي تلك الضيفة الصغيرة التي حيثما حلت كانت خفيفة الوزن رشيقة الجسم.

المراجع:
1. الهداية: 75/1
2. الكتاب - سيبويه